مساهمة حول:( لجان المقاومة.. وقرار تشكيل حكومة السلام..)

التحية لشهداء ثورة ديسمبر، وعاجل الشفاء للمصابين
التحية للشعب السوداني الصابر في الملاجئ ومناطق النزوح
التحية لثوار الدولة السودانية ولجان المقاومة
منذ تأسيسها ظلت لجان المقاومة السودانية، صامدة في مواجهة الكثير من التحديات التي عبرت تحت جسر التحولات السياسية السودانية، وساهمت في تغيير دِفة القرارت السياسية التي تُوجت باقتلاع نظام الديكتاتور (البشير)، ومواجهة انقلاب البرهان، والتصدي لمحاولات العودة لنظام ما قبل الحادي عشر من أبريل، استبسال لجان المقاومة وتأثيرها في السياسة السودانية، دفع القوى السياسية لاستقطاب عضويتها ومحاولة التأثير عليها لتمرير الأجندة الحزبية، وهذا يدل على قدرتها التنظيمية العالية. انحيازها لقضايا الوطن والمواطن يضعها أمام مسؤولية كبيرة في ظل غياب المؤسسات الرسمية للدولة، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال المئات من شباب/ات لجان المقاومة المنخرطين في العمل المدني وخدمة مجتمعاتهم.
(الحرية، السلام والعدالة) طريق النضال الذي رسمته ثورة ديسمبر المجيدة، وخضّبت هذا الطريق بدماء الشهداء وتضحياتهم من أجل الحرية والسلام المُستدام، ورفاهية الشعب السوداني، وفي سبيل ذلك لم تتوقف لجان المقاومة يوما عن حراكها الثوري. حرب الخامس عشر من أبريل، أفرغت الدولة السودانية من مؤسساتها الخدمية، وغياب الجهات الرسمية من أجل توفير الخدمات وضمان استمرارية الحياة، في ظل تعنت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان والتعامل بسياسة (المناطق المقفولة) والتمييز المناطقي والجهوي.. مما يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات بشأن الأوضاع الآنية في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع.. من المسؤول عن معالجة تردي الأوضاع الاقتصادية، الصحية، الخدمية؟ وهل تحتمل هذه الأوضاع إلى حين استقرار البلاد وتوقف الحرب؟ وهل تُمانع قوات الدعم السريع مساهمات لجان المقاومة في مجتمعاتهم..؟
تدهور الأوضاع الاقتصادية، الخدمية، والصحية يجعل الحديث عن قوى مدنية تمتلك القدرة والارادة للوقوف إلى جانب التغيير ممكناً، حيث يمكن الحديث عن حكومة حقيقية تسترد شرعيتها التي أختطفت عبر إنقلاب أكتوبر، وكامل التراب السوداني وليس مناطق سيطرة الدعم السريع، لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد تضحيات جسام قدمها أبناء/ات الشعب السوداني، عبر تراكمات نضالية طويلة. حكومة أقل ما توصف به أنها حكومة تسيير أعمال، إلى حين استكمال عملية البناء الديمقراطي، حكومة يقع على عاتقها مهام محددة تتمثل في تقدير الأوضاع الاقتصادية والتصدي لشبح المجاعة المتربص بالمواطن السوداني، وتوفير الخدمات الأساسية، كهرباء، مياه، تعليم، إيصال المساعدات الانسانية والمساهمة في نجاة من تبقى من أبناء الشعب السوداني، ودعم وجوده في مناطق آمنة، يتمكن من ممارسة حياته بعد أكثر من عام ونصف من الحرب.
نعتقد أن مشاركة لجان المقاومة في الحكومة المُزمع تشكيلها يتنافى مع مرتكزات لجان المقاومة، وهدم لأسس تبنتها أوان التأسيس، تتمثل في أن السُلطة ليست هدفا للجان المقاومة، وليست بالتأهيل الكافي لإدارة الدولة السودانية بكامل تباينها السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، الثقافي والمناطقي.. ربما هذا لا يمنع مساهمة اللجان من المساهمة مع الحكومة المُرتقبة في خدمة المجتمعات المحلية عبر مؤسسات الدولة، خاصة وأن لجان المقاومة تتمتع بحيز مناسب وسط الجماهير وإمكانية الوصول عبر لجان الخدمات وغرف الطوارئ ولجان (التكايا).
لذا يجب على لجان المقاومة الاستفادة من ريادتها في قيادة الشارع، ومطالبها المنشودة في الحرية والديمقراطية ورفض التسلط والدكتاتورية.. هذا الموقع يُحتم عليها أن تقول كلمتها تجاه ما يحدث في إطار المسؤولية التأريخية للأزمة السودانية، والوقوف مع المواطن السوداني، وعدم الوقوف في عتبة الموافقة على (التشكيل) أو رفضه فقط، بل مطالبة الجهات المعنية بقرار تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة بإرساء نهج سياسي جديد عنوانه الشفافية والمحاسبة والإصلاح، ومعالجة أخطاء الماضي، ومحاربة الأمراض التي أقعدت السودان عن التطور، وعمّقت جذور الجهوية والعنصرية والحروب القبلية، والمساهمة في ايقاف الحرب ودعم التحول المدني الديمقراطي، ويتعين على الحكومة أن يكون من أولويات برامجها حسم التحديات الاقتصادية الحادة وتنفيذ إصلاحات هيكلية للإستجابة لإحتياجات الشعب وتوقعاته، وضمان حماية مناسبة للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، ونشر الأمن وضمان الاستقرار، لجان المقاومة ليس مُناط بها المشاركة في تشكيل الحكومة أو شغل مناصب فيها بقدر ما المطلوب منها المساهمة وفق رؤيتها وبرامجها تحت أدنى من التوافق الخدمي بالتشبيك مع المؤسسات الدولية، ووصول أول قافلة مساعدات لجنوب الخرطوم دليل على امكانية هذا التوافق.
التساؤل الأكثر أهمية هنا ، هل من المتوقع دعم لجان المقاومة للحكومة المُرتقبة؟ أم دعم البرنامج المتوقع تنفيذه في المجتمعات المحلية؟ وفق المهام التي يجب أن يضطلع بها المدنيون في الحكومة..؟ وهل الوقوف في عتبة الرفض من شأنه أن يجد التأييد من المواطن المتطلع لأنسانيته في بلد مثقل بجراحات الحرب، يصارع أزمة مجاعة ومعضلات اقتصادية واجتماعية تمس جوهر القضايا التي من أجلها خرج الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة. الدعوات التي أطلقها المجتمع الدولي لدعم عملية التحول المدني القادمة، تضعنا في مواجهة (الذات) وفي استشعاره للأزمة السودانية، وضرورة وجود قوى مدنية للتواصل معها، بعيداً عن شُبهات التواصل مع أحد طرفي الحرب، وتسهيل عملية وصول المساعدات، والسؤال هنا ماهي حاجة المجتمع السوداني لـ(سُلطة مدنية) مُعترف بها دولياً..؟ للخروج من أزماته السياسية، الاقتصادية والمجتمعية الناجمة عن خطل السياسات السابقة.
ختاماً.. اعتقد أن الوقت لا يبدو ملائماً لاستنساخ صراعات الخارج فيما يتعلق بجدل تشكيل حكومة (السلام)، الخارج ليس الداخل المكتوي بنيران الحرب، قصف الطائرات، والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها الشعب السوداني، فهل يمكن أن تتوافق لجان المقاومة المُشتركة على خارطة عمل تتجاوز (سقوف) الأُطر السياسية، لواقع هدفه الأساسي أنقاذ المواطن السوداني.
وعاش السودان حرا مستقلا موحدا