مقالات و آراء

(التكايا)..

هل تغلقُ أبواب رحمتها..؟
الحرب الآن تفتح نوافذ وجعتها في وجوه مواطنين خيل لهم أنهم ناجون ليمسك بتلابيبهم الجوع -الأخ غير الشقيق للحرب، وتقذف بهم الحاجة من جبال عزتهم لسفوح الحاجة والتسول لتهشّم كبرياء توارثوه منذ الأزل، وتميزوا به كسودانيين..
(التكية).. منزل يبدو كمطبخ كبير تتصاعد من داخله أعمدة الدخان ورائحة حطب يحترق، تتخلل ألسنته بعض رائحة (بليلة) والتي بالكاد يمكنك تمييزها، في الخارج أمام البوابة يمتد حبل من الأواني الصغيرة تتلوى كثعبان نجا للتو من محاولة اغتيال بفؤوس مزارعين، مع كل شروق شمس وفي التاسعة تماما تتقرفص نساء وأطفال تحت ظلال الأشجار، والجدران في انتظار وجبة (مجانية) يدعمها أبناء الحلال الموقنون بكارثية الحرب، عبارات الشكر والدعوات الصالحات تتساقط هنا، هناك قبل أن ينفض الجمع على أمل أن يكون الغد مختلفا ومليئا بالرحمة والخلاص..
استوقفتني سبعينية في شهر الحرب الثالث عشر لتسألني: ” يا ولدي في مساعدات قالوا جاية نحنا خلاص قربنا نموت.. ما بتخبر جاية متين..؟”، قلت لها بتجي قريب (يمة) بتجي، ومضيت مستغفرا.. كنت أدرك أنني أكذب، أدرك أن المساعدات، السلام، الأمن، الحياة ليست واجبات بل حقوق شعب يعيش (شتاته العظيم)، من حقه أن يقف معه العالم في محنته، أن يمطرون عليه من السماء المؤن والأغذية وليس البراميل الحارقة والمتفجرات.. يستحلفهم أن لا يهبوه موتا سريعا ومحبطا في أخصب بقاع العالم وأغناها بالمياه..
الآن هنا ومن فجوات خلل الأنظمة الاقتصادية والإنسانية، يتسلل (الجوع) كخيوط من الدخان، يدخل المنازل والغرف، لتخرج النساء في كامل حيائهن بنصف وجه، يحملن آنية صغيرة للبحث عن (لقيمات) لأطفالهن، في غياب رجل أغلقت الحرب أبواب أوبته..
(التكايا) أغلقت أبوابها وبعضها سيغلقها قريبا، ولا جبل يعصمهم اليوم، ولا مَن ليُمطر من سماء العالم الغارق في تخوزقه..
(لازم تقيف) بالنسبة للبعض ليس مجرد (هاشتاق) يُبذل في أسافير عالم أفتراضي، بل طوق نجاة لملايين من أبناء الوطن تقاسمهم أبنيّ الحرب (اللجوء والنزوح) وتقهقه عجوز العنصرية الشمطاء في وجوههم.. (لازم تقيف).. قبل أن تغلق (التكايا) أبواب رحمتها.. (لازم تقيف) فليس بعد النزوح واللجوء ملجأ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى